النقل بالعاصمة الأزمة التي لا تنتهي
في الوقت الذي تحاول فيه الدولة إنجاز مسالك جديدة من أجل تحسين ظروف التنقل والتقليل من اختناق حركة المرور، تقوم من جهة أخرى بعملية بيع السيارات بالتقسيط، التي أصبح من خلالها بإمكان المواطن شراء سيارة جديدة، بالرغم من مدخوله، هذا ما جعل الشوارع الجزائرية مكتظة بالسيارات حتى أصبحت طرقاتها لا تستوعب عددها، خاصة أمام ضيق المسالك التي لم تجدد أغلبها إلى يومنا·
اهتراء الطرقات هو الأخر تسبب أيضا في اكتظاظ حركة المرور، خاصة مع سقوط الأمطار التي تحوّل طرقاتنا إلى برك من الماء والأوحال، وليس باستطاعة سائقي السيارات الإقدام على اتخاذ السرعة خوفا من حوادث المرور، لتزداد المأساة حدة كلما تجدد موعد الدخول الاجتماعي، أين يضحى الالتحاق بمقاعد الدراسة وأماكن العمل يصنف من باب المستحيلات·
أصبحت الاختناقات المرورية التي تعرفها طرق العاصمة، سيما على مستوى الطرق الكبرى نقاطا سوداء، ما يتسبب في تذمر العديد من مستعملي الطرقات الذين يضطرون لاتخاذها يوميا، للتوجه إلى العمل وللالتحاق بمنازلهم ولقضاء حاجياتهم من الأسواق والمحلات، وبالرغم من المشاريع الكبرى التي أدرجت من وزارة الأشغال العمومية لكي تساهم في التخفيف من الازدحام على مستوى شبكة الطرقات وتحسين ظروف التنقل على مستوى الجزائر العاصمة ومحيطها، إلا أن وضعية الطرقات مازالت على حالها إلى يومنا هذا·
وذكر لنا أحدث سائقي الأجرة، أن الجزائر لا تزال تعاني من ازدحام حركة المرور الذي يزداد يوميا، على الرغم من تقدم الأشغال على مستوى الطريق السيار شرق - غرب الذي سيسمح بإعادة انتشار حركة المرور وإعادة التوازن في شبكة الطرقات في قلب العاصمة وضواحيها·
كما أعرب سائقو السيارات والحافلات، أن تفاقم الحظائر الفوضوية بالشوارع أدى إلى غلق الطرقات، إضافة إلى إقبال المواطنين على شراء السيارات، نظرا للتسهيلات والبيع بالتقسيط الذي دخل الجزائر، الأمر الذي تسبب في اكتظاظ الشارع الجزائري لكثرة السيارات وضيق الطرقات·
وما زاد من تذمر المواطنين، أن هذا الاكتظاظ سبّب لهم عدة مشاكل في حياتهم اليومية، إذ في غالب الأحيان يلتحقون متأخرين إلى عملهم، وأحيانا يتواصل هذا الازدحام لساعات· وهكذا أصبح سيناريو ازدحام الطرقات يتكرر يوميا، ولم تسلم حتى الطرق السريعة من هذه الظاهرة صباحا مساء، حيث تسبب الازدحام مؤخرا حسب شهادة المواطنين في تعرض شخص لنوبة مفاجئة وهو في انتظار حافلة النقل، ليبقى ملقى على الأرض لمدة أكثر من ساعة لتأخر سيارة الإسعاف التي استغرقت ساعة ونصف لتصل من مستشفى مصطفى باشا إلى ساحة القدس بحيدرة، ولكن بعد فوات الأوان·
مؤشرات
-- الحظيرة الوطنية للسيارات تقدر بـ 03 مليون وحدة منها 40 بالمائة نفعية·
-- 28 نفقا موزعا عبر ولايات الجزائر ضمن برنامج 2005 / .2009
-- 07 مشاريع استعجاليه لا تزال قيد الدراسة لفك الخناق عن طرقات العاصمة·
أزمة للبيــع!
حركة المرور في عاصمة الوطن أصبحت لا تطاق، والسبب الأساسي هو ضعف الهياكل القاعدية للنقل الجماعي· ويبدو أن المسألة لها علاقة مباشرة بإرادة القائمين بالأشغال، لأنه لا يعقل أن يستمر إنجاز 5 كيلومترات من ميترو العاصمة طوال ثلث قرن كامل!، والأكيد أن الحجة ليست في قلة المال أو قلة الخبرة في الإنجاز، لأن عواصم أخرى كتونس والقاهرة أقل منا خبرة ومالا ومع ذلك أنجزت نقلا جماعيا متطورا نسبيا لحل معضلة المرور!
الأمر عندنا يعود بالتأكيد إلى الانتفاعيين ·· فلا يهمهم حل مسألة المرور والنقل الجماعي ويهمهم فقط بقاء البلاد مرتعا لتجارة السيارات· والغريب في الأمر أن السلطة تسمح بزيادة الطلب على استهلاك السيارات الخاصة وتسكت عندما يتعلق الأمر بحل مسألة النقل الجماعي!
بقاء أزمة النقل الجماعي في المدن الكبرى مسألة مقصودة، الهدف منها بقاء المواطنين تحت رحمة باعة السيارات الخاصة·· لأن أزمة النقل تفرض على المواطن التخلي عن جزء كبير من حاجاته الأساسية في الأكل والسكن والتعليم والترفيه من أجل الوصول إلى سيارة خاصة لحل مشاكله في النقل·· وتكون النتيجة إغراق المرور بالسيارات وتعقيد المسألة أكثر بدل حلها!
والمستفيد الأكبر من أزمة المواطن هذه هم مصنعوا السيارات في الغرب والشرق!
وإذا لم تكن المصالح الخاصة وسياسة بيع مشاكل المواطنين للأجانب، فلماذا لم تقدم السلطة الوصية على حل أزمة النقل الجماعي في كبريات المدن؟! أم أن الأمر له علاقة بتلذذ بآلام المواطنين··؟
الوضع الذي وصلت إليه حالة الانسداد المروري في العاصمة لا تماثلها إلا حالة الانسداد السياسي الذي وصلت إليه السلطة خلال نصف قرن من البريكولاج السياسي·